Custom Search
التكعيبة: أبيًن زين و أسرق الكحل من العين

Wednesday, June 30, 2010

أبيًن زين و أسرق الكحل من العين




رطوبة الجو هذا الصيف كفيلة بأن تجعل إكتئابي الموسمي يمتد طوال العام بدلا من موسم الشتاء فقط. و بالأمس إشتدت علينا تلك الرطوبة اللعينة مما دفعني لدعوة صديق لي لتمشية علي النيل أملاأن تعطي النسمة النيلية أجازة لغددي العرقية و لو لدقائق. مشيت أنا و صديقي من الدقي حتي كوبري الجامعة و كان أبرز ما لاحظناه هو كثرة الأعراس بالرغم من أن الامس كان الثلاثاء بالإضافة إلي إرتفاع نسبة الرطوبة و حرارة الجو،
فأبديت إندهاشي لصديقي الذي إندهش لإندهاشي إندهاشة لم يندهش مثلها أبدا، فإندهشت لإندهاشه من إندهاشي و قلت له مدهوشا: الجو ده يابني ما يساعدش الواحد يلعب ماتش بلاي ستيشن مش يتجوز فما بالك بقي بكأس عالم مافيهوش دور مجموعات، يا تكسب و تعدي يا إما هتقضي بقية عمرك بتشتكي من المواعين اللي غسيلها مابيخلصش، فرد متخابثاً: بلاي ستيشن إيه و كورة إيه؟ و إنت شاغل نفسك ليه؟،
بصراحة أنا عارف إن الواد ده نيتة مش صافية بس لم أشأ أن أنساق وراء المغزي الخبيث في كلامه لأن النقاش سيؤدي إما لخناقة أو يضطرني أن أثبت له مدي تعلقي و حرفنتي بالكرة بإثبات عملي و في الحالتين هو الخسران، فحاولت أن أدير دفة الدردشة إلي موضوع أخر و كنا قد وصلنا إلي منتصف الكوبري تقريباً، فدعوته للجلوس لشرب كوب شاي بالنعناع علي حسابي، إخترنا كرسيين من الكراسي البلاستيكية التي ينصبها أصحاب عربات الحمص و التسالي علي الكوبري مواجهة للنيل و طلبنا كوبي الشاي بالنعناع،
جلسنا و وجهينا للنيل نستمتع بالشاي و جمال نسمات النيل و تصحب هذا المشهد أغنية لأم كلثوم كخلفية موسيقية، حاجة كده في منتهي الروعة، و في هذه الأثناء بينما أنا و صديقي منشغلين بدردشتنا، قاطعتنا إمرأة خمسينية مكتسية بالسواد، طويلة و عريضة الأكتاف، بعينيها حور، كأنها عملي الأسود اللي هببتوا في حياتي، عرضت علينا أن تقرأ لنا الودع و تبيًًًن زين -أي "تبيًن" لنا الطالع واصفةً مهارتها في هذا بأنها زين أو أن ما ستبينه لنا سيكون زين- فشكرناها و صرفناها بأدب،
و لكنها عاودت الكرة مرة أخرة و لكن في هذه المرة فوجئت بها تخاطبني بإسمي!! طبعا أنا سمعت إسمي من هنا و الفضول بقي هيقتلني ففكرت في لما لا أجرب الموضوع و عللت لنفسي أن الحرمة تقع إذا كنت أؤمن بهذه الخرافات، و أيضا أنا أبحث عن موضوع أعود به للتدوين بعد إنقطاع شهر و نصف، و هل هناك أفضل من مغامرة كهذه؟ فقررت أن أخوض هذه التجربة بس عشان خاطر عيونك عزيزي قارئ التكعيبة و ده عشان تعرف غلاوتك عندي فقلت لها: إتفضلي يا أم إبراهيم إشربي الشاي و إقريلي الودع، و لا تندهش عزيزي القارئ من أني ناديتها بأسمها فأنا لا أعلم المستخبي و لكنها ببساطة أخبرتني به،
جلست أم إبراهيم علي الأرض أمامي بعد أن طلبت مني أن أجلس و ظهري لصديقي، و بدأت تمتم و تهمهم ثم طلبت مني أن أردد ورائها كلمات عادية جدا علي غرار يا رب و بعد الصلوات علي النبي قالت لي سأخبرك بأسماء سبعة أشخاص تحبهم كأمارة أخري علي معرفتها بالمكنونات و لكن بعد أن تعرف إسم أمي (لاحظ أنها تسأل) فخبًرتها بإسم الحاجة، فسألت: محمد....قريب و لا بعيد؟ فتصنعت الدهشة قائلا: قريب، مصطفي....قريب و لا بعيد؟...فأمأت بلإيجاب (لاحظ مدي شيوع الأسماء المستخدمة)، أشرف أو شريف..؟ (معلومة:ليس لي قريب أو صاحب أو حتي زميل عمل أو دراسة بأي من الإسمين) فرديت: قريب لأني لم أرد أن ينتهي العرض مبكراً،
و علي غرار أسماء الذكور جاءت أسماء الإناث و بنفس درجة الشيوع، و بعدها طلبت مني أن أرمي بياضي، فأعطيتها بعض العملات المعدنية فئة الجنيه، و لكن بمجرد أن وضعت العملات بيدها فوجئت بها تنتفض مغمغمة: دول مقام الخدًام؟!! راضي الخدام!، فتصنعت البلاهة متسائلاً: أنا متعاملتش مع الخدام دول قبل كده، هما بيتراضوا بكام؟، فقالت: الصحيح اللي في جيبك لأنهم مش هينفعوك (لاحظ التهديد، متعرفش إني مقطع بطاقتي و لا يهمني خدام و لا سيرفرات الدنيا) لكني شعرت أن الإثارة لسه في أولها فدفعت لها عشرة جنيهاااات كاملة كاش معتبرها تكلفة هذه التدوينة، فإذا بعلامات الإرتياح تكسو وجه أم إبراهيم معلنة إرتياح السيرفرز و رضائهم،
و أكملت إنت محسود ليه يا بني؟ بنبرة تقطر إنفطاراً و حسرة علي الشاب اللي العين مش سيباه في حاله! و لا أخفي عليك يا قارئي البرنجي أن أم إبراهيم لمست وترا حساس شوية، فأنا فعلا محسود علي الهنا اللي أنا فيه و علي الراحة التي أرفل فيها دوناً عن بقية الخلق، فأبديت لها تألمي من الموضوع (لاحظ إنًي من الأول أجاريها)، فتمادت و أخبرتني بأني معمولي عمل في مقبرة و إني مرمي علي تراب قرافة -ده بيعمل إيه...و لا أعرف- فقلت لها: عمل؟!! مين اللي عملي؟، فردت بكلام مسجوع: واحدة من لحمك و دمك عاملة حبيبة و هي "زبيبة" -أنا مش فاكر هي قالت إيه بالضبط- و لكن بصراحة أنا بدأت فعلا أشك في بنات أقربائي، فشككت في إبنة عمتي ذات الإثني عشر عاما و لكني سرعان ما أزحت الفكرة من رأسي لأنها ببساطة مبتعرفش تعمل شاي فما بالك بعمل يحتاج لصنعة،
و لكن أم إبراهيم سرعان ما قاطعت سراحني قائلة: العمل ده معمولك بالخراب و وقف الحال و المرض و السجن و الشلل و الموت غريقا و السحل بلبوصاً، و الإنتفاخ المزمن، هنا لم أحتمل فإنفجرت متوسلاً: وإيه الحل يأم إبراهيم؟ فردت: إستني يبني ده يا ريتها علي أد كده؟ فتوسلت بنبرة أقرب للبكاء، لأ إوعي تقوليلي العمل طال الأي فون بتاعي، كله إلا ده، أنا ممكن أستحمل الإنتفاخ المزمن و لا إني أشوفه متخربش حتي، قالتلي: لأ، العمل طايل واحده شاغلة بالك (لاحظ إني خاطب و في يدي اليمني دبلة) خطيبتك، صح؟ فرديت: أيوه أنا فعلا خاطب، بس الأي فون بخير؟، بصراحة هي مرديتش بس بصتلي بصة معناها بس يا أهبل، و لكني عذرتها فهي لا تعلم مدي غلاوة الأي فون عندي و بعدين هو أنا لو عندي ذرة عقل كنت قعدت معاها أصلا،
المهم أنها سألتني إسم خطيبتي إيه و إسم أمها إيه (لاحظ إن أم إبراهيم مبتعملش حاجة بنفسها أبدا) فخبرتها، فأسهبت بكلام كله سجع اللي "تتسجع في دماغها" مفاده إني أنا و خطيبتي بنزين علي نار بسبب العمل ده و إنها كمان مأذية منه، طبعا أم إبراهيم و اضح من البداية أنها في الطراوة و ملاحظاتي تثبت ذلك إن لم تكن لاحظت بنفسك، فأنا و لله الحمد.....و لا بلاش أنا كده كده محسود خلقة مش ناقصة كمان البنت اللي محلتيش غيرها،
فقلتلها: و إيه العمل دلوقتي؟ فقالت: هبشرك بالخير السنادي و أفكلك العمل بس تحلف تراضي الغلابة و متتكبرش علي الفقير، فحلفت، فتابعت و تراضي الخدام، كدت أنفجر و ألعن سلسال جدود الخدام و لكني تراجعت خوفا من أن تصيبني لعناتهم و ذكرت نفسي أن ما أدفعه هو تكلفة هذه التدوينة،
فأعطيتها عشرة جنيهات أخري، فطلبت مني أن أعطيها فردة شراب، ففعلت، فطلبت الأخري، فنبهتها لأن هذه أخر حاجة سأقوم بخلعها، لأني ببساطة لأن أقبل أن ألبي رغبات الخدام بخلع أي شيء أخر خصوصا و أنا علي كوبري الجامعة. أخذت الشراب و مسحت به تراب الرصيف (لاحظ إن أم إبراهيم مش شغالة في هيئة النضافة) ثم وضعت فردة تحت قدمها و الأخري رفعتها أمام وجهي ثم وضعت بها حفنة تراب و وفوجئت بها تمد يدها لشعري لتقطع بعض الخصل و تضعها علي حفنة الرمل، ثم طلبت شعرة من صدري -هنا علمت أن أحد الخدام هو قرين تامر حسني- فلبيت طلباتها،
فسألتني أن أتأكد أن ما بالشراب هو مجرد تراب و طلبت مني أن أقبض عليه بيد اليمني و أضمه إلي قلبي لأردد ورائها بعض الكلمات و الأدعية و الصلوات، خلال هذا كانت تنتفض أم إبراهيم و تتسارع كلماتها و تتهدج أنفاسها مما أعطي إلي الموضوع رهبته فواضح جدا أن العمل جامد، و بعد أن رددت ورائها و فرغت من التمتمات، قالت لي لو فتحت الشراب و لقيت التراب طار تبقي سنة خير و العمل إتفك -مش عارفة خير إيه ده اللي بريحة الشراب!- لكن لو الطالع ردي هيبقي بدل التراب دم، و هنا إقشعر بدني بجد،
و تابعت: لكن الأول لازم تديني حلاوة البشارة، و هنا بقي ما إستحملتش و قلتلها أنا مراضي الخدام مرتين لحد دلوقتي!! فنهرتني و هي تصيح بي: متكملش ما تإذيش نفسك يابني، فتذكرت لعنة الخدام و تذكرت أيضا إحتمالية وجود قرين تامر معهم ففزعت لأنني لن أحتمل أن تصيبني أم إبراهيم الغجرية و خدامها بالعته المنغولي و لا أن تحل بي لعنة قرين تامر و أصاب بداء تسقيط البنطلون مثلا لتصبح بوكسراتي مشاعا للي رايح و اللي جاي،
فدفعت لها صاغراً عشرين جنيها أخري -لأن مفيش فكة تاني- مؤكداً لها أن هذا أخر ما سأدفع و ليذهب الخدام إلي جحيم السيرفرات، فطلبت مني أن أفتح يدي لأري النتيجة، و إذا بي أفتح الشراب لأجد................................يـــــــتبع





و لا أقولكم مش ضروري سسبنس المرة دي، فتحت الشراب لأجد عقد من الودع مكان التراب، أنا لم أندهش مثلما إندهشت أنت يا برنس القراء، لأني رايتها و هي تمسح بالفردتين الرصيف حتي لا يظهر الفرق بين فردة الشراب التي كان بها التراب و التي أخفتها بخفة يد عن الفردة الأخري التي وضعت بها الودع و القواقع،
و بالرغم من ذلك لم أكسر بخاطر الخدام و تصنعت الدهشة و الفرحة بالبشارة و فك العمل، فأخذت تصلي علي النبي و طلبت مني أن أقف لأتمضمض ثلاث مرات و أغسل وجهي ثلاث مرات و أرمي باقي الماء في البحور-النيل يعني-ففعلت، و لك أ تتخيل المشهد: شاب زي الورد واقف حافي علي كوبري الجامعة بيتمضمض و يغرق وشه بمية و واحدة شكلها مريب واقفه جنبه بتنتفض متمتمة بكلمات مبهمة، المهم أنها طلبت مني ألا أخبر أحداً بما حدث حتي لا أفسد مفعوله و أن علي الإلتزام تجاه الغلابة، وعدت الخدام بذلك،
و لا تظن يا سيد القراء أني حنثت بوعدي معهم، فأنا لم أخبر أحداً و لكني أخبرت خميسأ و الكلمتين هنا ظرف زمان، المهم أنها سلمت علي و قبل أن تذهب لزبون أخر نظرت لصديقي و قالت له: بيعزك جداً، لملمت حاجاياتي و إرتديت شرابي و حذائي و إعتدلت لأجلس مع صديقي، وجدته فاغر الفاه و علي وجه علامات الإستنكار، و بادرني سائلا: دفعتلها كام؟ فرديت ببراءة أربعين جنيه، فعقب: فالح يا فرحة الوالدة بيك، قلت له إنت لو سمعت إيه اللي حصل هتعرف الموضوع يستاهل و لا لأ، فحكيت له و هو يضحك و يقهقه
و في الأخير قال لي: هي المشكلة ما كانتش في الفلوس، أنا قلت إنت إتغيرت، قلت له: أبدا أنا أردت أن أجرب هذه المغامرة علٍي أجد موضوعا أعود به للكتابة و هذا تحقق، أما موضوع إني إتغيرت، فلا تقلق صديقي العزيز فلازلت أول الكافرين بموضوع الأعمال و موروثات الخرافة و لا يقلل هذا من إيماني بوجود الجان و السحر المذكور هنا و هناك و ما إلي ذلك، و لكن بشكل يختلف عن الشائع (راجع كتاب الإنسان و الشيطان للإمام الشعراوي)
و بعدها قمت أنا و صديقي الساخر من حماقة الفكرة و طرافة الموقف لكن ظلت الأربعون جنيه تتراقص أمام عيني لتذكرني بأني إتنصب عليا متناسية إنه كان بمزاجي، و حاولت أن أحسب كم تكسب أم إبراهيم الغجرية يوميا.
و هنا قارئي العزيز أذكرك بأن مفيش حاجة تغلي عليك و لكن هذا لا يمنع أن تطلق أنت و زملائك و زميلاتك ضيوف التكعيبة حملة جمع تبرعات لجمع الأربعين جنيه تاني خوصوصا إني في أخر الشهر، وده بالذوق أحسن ما أسلط عليك خادم من إياهم و غالبا هيكون قرين نبيل شعيل و قابل بقي لو دايت هينفع معاك من هنا و رايح.





الواد المحسود أبو قلب أبيض زي عيال البلد،،،،،




1 comment: